انتخابات الارشاد ... وماذا بعد؟

قبل أن نبدأ:
1- ما يلى ليس تعليقا على الأحداث بقدر ما هو محاولة للخروج منها بدروس وملحوظات
2- ما هو مذكور فى التدوينة ليس بالضرورة من أفكارى ولكنه تجميع لبعض ملحوظاتى مع ملحوظات وأفكار آخرين أجدنى مقتنعا بها

انتخابات الارشاد ... وماذا بعد؟

ترددت كثيرا فى أن أكتب أو لا أكتب معلقا على الأحداث التى تجرى مؤخرا فى جماعة الإخوان المسلمين، وخاصة أنه تنازعتنى فيها مشاعر مختلفة متضاربة بالفرح حينا وبالقلق حينا آخر.

فرح نشأ من إصرار المرشد على أن يرسخ قاعدة جديدة بترك منصبه بعد ولاية واحدة، ورضا عن تغير موقف البعض – مقتنعين أو مكرهين- لمناقشة بعض القضايا الفكرية بل والتنظيمية للجماعة عبر الإعلام، واهتمام الرأى العام الاقليمى منه والعالمى بكواليس ما يحدث داخل جماعة الإخوان، وأصبح المواطن العادى يعرف كثيرا من رموز هذه الجماعة ويقارن بين مواقفهم وتصريحاتهم وأفكارهم بل وربما تفاعل وتمنى فوز بعض منهم فى انتخابات الارشاد الأخيرة.


ومشاعر أخرى يغلب عليها القلق من كم الاختلافات التى حدثت والتى لم تكن لتعكر صفو الحدث لولا أنها تصاعدت بشكل يفوق حجمها تاركة آثارا قد تفسد للود قضية، وقلق من تفاعل بعض أفراد الجماعة مع الأزمة وسلوكهم ازاءها والتعصب لأحد وجهتى النظر فيها، وقلق من مساحة وحجم التغيير التى حدثت فى نتائج الانتخابات ونوعيته.

ولكن حتى لا تنتهى الأحداث وكأنها جعجعة بلا طحين وحتى لا ينفض السامر وقد تمخض الجبل فولد فأرا، فعلينا أن نبحث عن ملحوظات واقتراحات تتعلق بالاطار وليس التفاصيل لنضع بها اجابة على تساؤل مهم... وماذا بعد؟. وإن كان لى أن أدلى بدلوى فلن أكتب عن ما حدث وتوافقى أو اختلافى معه ولكنى سأقف على أربع نقاط أرى اهمية بالغة لها فى أن تتصدر اهتمامات مكتب الارشاد القادم كوسائل وسياسات لا تشغل أبدا ولا تحرف البوصلة عن الأهداف والخطط والغايات.

1- الاعلام الخاص بالجماعة والخارجى والتعامل معه

لمسنا فى الازمة الأخيرة حاجتنا الملحة لوجود إعلام خاص مهنى قوى سريع متفاعل واسع الأفق رحب الصدر يعرض الرأى والرأى الآخر ويقف على مسافة متساوية من الاختلافات فى الآراء، لا يعظم شخصا على آخر أو فكرة على أخرى، جرئ يتخطى الحواجز والحدود، مؤثر ويسهم هو ذاته فى عملية تطوير الجماعة وتحسين أدائها ولا يكون فقط مجرد بوق يعلن عنها بما يشاؤه البعض وكيف يشاؤه. وأن تتنوع مساراته وتتجدد أشكاله فيخرج عبر المواقع الالكترونية والتسجيلات المرئية والاذاعات الصوتية والكتابات الورقية راسما خطى واضحة ومجدولة للوصول لإنشاء قناة فضائية.

أما الإعلام الخارجى فينبغى أن نحسن استخدام اللغة التى يفهمها ويقبل عليها دون أن يكون لنا خطابين، وأن نمد جسور تواصل معه تكون على طريقة الذهاب والعودة فنأخذ منه وعنه الانتقادات والتساؤلات ونرسل خلاله وعبره الآراء والمواقف والأحداث، سيظلمنا تارة ويتجنى علينا أخرى ولكن شئنا أم أبينا سيكون هذا دوما ديدنه فليفعل ذلك ونحن معه متفاعلون بدلا من أن يتفاعل وحده بعيدا عنا ونحن له لائمون ومنتقدون.

وفى الاتجاهين علينا أن نسمح بمساحة أكبر للنقد العلنى ومناقشة أمور فكرية بل وتنظيمية داخلية فى بعض الأحيان على الملأ، فلقد أوضحت التجربة أن توفر المعلومات يساهم فى كشف الحقائق ويجليها أكثر من الخوف من أن يربك القواعد والتى حق أصيل لها أن تعرف ما يدور وكيف يدور، وأن اتاحة الفرصة لهذه الآراء المختلفة لتخرج عبر وسائلنا الاعلامية قبل غيرها سيتيح فرصة أفضل لحصرها ومناقشتها وتوضيح تفاصيلها بدلا من اللهاث ورائها عبر المواقع المترامية والجرائد المختلفة والمنتديات والمدونات، ولا سيما أن لدينا شيئا جميلا فى أفكارنا واجراءاتنا ولوائحنا ومجالسنا ووسائلنا يستحق أن يظهر للعوام وأن يتكشف لديهم وأن يقدم للحركة الوطنية تجربة وأنموذجا ومثالا وقدوة تحتذى.

وأن تحسن الجماعة اختيار من يتحدث باسمها ويرفع صوتها بمن يتحلى بمهارات الحوار والنقاش والاقناع، ومن لديه قدر من القبول الخارجى والمقدرة على انتقاء العبارات وتجاوز المنزلقات الحوارية، ولا يعيب اختيار البعض لتلك المهمة باقى الإخوان ولكن لكل عمل رجاله.حتى وإن حسنت نوايا الجميع واتفقت أفكارهم فإن هناك شخصا قادر على أن يحليها بلسانه ومنطقه فيزرعها فى قلوب الناس وآخر يسيئ تقديمها فيلفظها الآخرون، وجمال دعوتنا وروعة حركتنا يحتاج حقا لذلكم المسوق البارع حتى يقبل عليها المشترون.

2- اللوائح والاجراءات

إنما شرعت لكى تضبط العمل وتكون بمثابة رمانة الميزان التى تحكم حركاته، لذا ينبغى أن تصاغ بشكل جيد ومحدد فيما يجب تحديده ومرن فيما يجب المرونة فيه، وأن يعاد النظر لها ككل بعد ان تعقد لها جلسات مطولة عبر مستويات مختلفة تبدأ من الفرد القابع فى شعبته وتنتهى بعضو الارشاد فى مكتبه، تجمع كل هذه الانتقادات والاقتراحات جنبا إلى جنب مع دراسات عميقة للوائح واطر المنظمات الغير حكومية ذات الخبرة فى العالم ككل، ثم توضع بين يدى لجنة قانونية إدارية متخصصة ربما تستفيد من متخصصين خارج الجماعة حتى وإن كان فى الجماعة الخير العميم والكفاءات الفذة القادرة على ذلك وحدها.
وليس هذا العمل هو من قبيل الوقت المهدر أو التضييع فى ترف نحن فى غنى عنه ولسنا فى حاجة إليه، بل على العكس فأهمية هذا الأمر تنبع من نقطتين:

الأولى أن هذه اللائحة تضمن تماسك البيت الداخلى وتناسقه، ليصبح أقدر على الانجاز والعمل والفعل والمضى قدما فى طريق انجاز غاياته واهدافه
الثانية انها تضرب مثالا عمليا لقدرة المشروع الإسلامى على الإدارة والضبط للتجمعات البشرية، وتعطى تجربة حية لشمول الإسلام.ويجب أن تأخذ هذه المراجعة من الوقت ما يكفى لارساء لوائح تبقى فاعلة ومستخدمة لعدة سنوات قبل الحاجاة لمزيد نظر وتعديل جذرى لها، ولا سيما أن العمل على تجديد اللائحة لن يستغرق جهود كل الجماعة بل ستقوم به مجموعة متخصصة بعد استطلاع واسع لآراء الجميع كما أسلفنا.

لتصبح اللائحة بعد ذلك مرجعا وحكما وفصلا، وأن ننتصر للائحة بعدها على اجراءات اخرى مخالفة نقع فيها كثيرا متعللين بربانية دعوتنا وبتغليب عوامل الأخوة والثقة بيننا.

وربما يُقترح أن يعلن مكتب الارشاد الحالى وكذلك مكتب الشورى العام القادم عن أنهم سيمثلون فترة انتقالية فى حياة الجماعة الإدارية لن تزيد على عامين يتم فيها فلترة وضبط اللوائح وصياغتها فى ثوبها الجديد ومن ثم تجرى انتخابات كلية فى ضوء اللائحة الجديدة.

3- ثقافة الأفراد

ولعلها أهم النقاط وأخطرها، فهى التى تحكم وتوجه التيار العام للعمل ومفرداته، لذا ينبغى أن يعنى عناية خاصة جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالتربية والثقافة الإسلامية أن يعنى بالثقافة المدنية –إن صح التعبير- لدى عموم الأفراد، عبر برنامج يشمل ثقافة الحوار والاختلاف وثقافة النقد والنصح وثقافة العمل الجماعى والشورى وثقافة الانتخاب والاختيار وثقافة الادارة والتخصص والاولويات.

حتى يصبح عموم الأفراد فى حصانة من الأمراض وكما يقال الوقاية خير من العلاج فأن تصبح مناعة الأفراد قوية نشطة خير من أن تضيع الأوقات بعد ذلك فى لعق الجراح وتضميدها وتخفيف الآلام وتسكينها.

برنامج ثقافى واضح متنوع إلزامى يصنع شخصية مسلمة ودعوية متزنة ومتيقظة ومدركة ومؤثرة، لا تجرها الأحداث ولا تجزعها الأقوال ولا تستفزها الاختلافات والانتقادات.

4- الصراحة والشفافية والوضوح

ومن أهم الدروس والنقاط هى تلك المتعلقة بالصراحة والشفافية والووضوح، فبرغم أنها لم تكن اختيارا مقصودا بهذا الشكل الذى ظهرت به فى الأزمة وإنما دفعت إليه الجماعة دفعا واضطرت إليه اضطرارا وهى أن تكون صريحة وواضحة لأبعد الحدود، ليست صراحة داخلية فحسب بل صراحة وشفافية على صفحات وقنوات الإعلام وأمام الرأى العام ككل، صراحة وشفافية وصلت لأول مرة لتفاصيل التفاصيل لتشمل صيغ الاستفتاءات وأعدادا دقيقة وأسماء وأشخاصا بمهامهم وأدوارهم، إلا أن نتائج هذه الصراحة والشفافية وثمارها الايجابية أكبر وأعظم بكثير من هالات الغموض السابقة التى كانت تبقى فى أذهان أبناء الجماعة قبل من هم خارجها فى شكل مجموعات من الأسئلة التائهة الحائرة.

صراحة وشفافية ووضوح على كل المستويات وكل المسارات، ابتداء من معرفة المنتمى للجماعة مستواه التربوى وموقعه على خريطة الجماعة ومرورا بوضوح اللوائح والاجراءات وأن يعرف كل فرد ماله وما عليه بشكل محدد واضح لا لبس فيه ولا غموض وانتهاء بشفافية المحاسبة وحيثيات اتخاذ القرارات وكواليس الأحداث.

تلك النقاط الأربعة أرى انها من أهم الدروس التى يمكننا أن نخرج بها من الأحداث الأخيرة، ولكن يبقى ختاما أن أؤكد على ثلاثة نقاط

1- أنه لا يخفى على أحد الظرف الأمنى الذى يحيط بالجماعة مما لا يجعلها تعمل فى بيئة سوية تتيح لها التحرك بحرية، ولكن ينبغى أن لا يكون ذلك معوقا على تطوير آدائها بل إن كثيرا من المقترحات تلك من شأنها أن ترفع أسهم الجماعة فى الحياة العامة وفى نفوس أفرادها بما يجعلها تتحصن بالتفاف شعبى وتجذر فى تربة هذا الوطن وحركاته المدنية بما يحميها من القبضة الامنية الغاشمة المتلاحقة.

2- أن الاختلاف أمر فطرى بشرى وأن العملة لها وجهان يختلف كل منهما تمام الاختلاف فى وجهته إلا انه لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض ويحمل كل منهما الآخر، كذلك ينبغى أن تتسع صدورنا للخلاف فى الأفكار والرؤى فما يراه البعض خطأَ مطلقا يراه آخرون هو عين الصواب، وما يعتبره البعض هزيمة وانكسار يراه الآخرون سبقا للعصر وقفزات للأمام، والعكس صحيح. و أن نجاح العمل الجماعى وأهم تحدياته هو أن يبلور تلك الاختلافات التى تصل للتناقض وأن يصل لقرار وراية يعمل تحتها الجميع فى النهاية على قلب رجل واحد.

3- - أن عملنا مهما اختلفت شكله أو هيئته أو طبيعته او مساره مارا بالتمكين لهذا الدين وعز وطننا ورفعته ورفع الظلم ومحاربة الفساد إنما يهدف لهدف واحد فى النهاية وهو الوصول لرضا الله وجنته، ولا يصح أبداَ أن ننشغل بالمسار ثمنضل الطريق عن الهدف، كما ينبغى فى ذات الوقت أن نمهد المسار جيدا لنصل للهدف. وأن يظل فى أذهاننا دوما وبوضوح المسار مساراَ والهدف هدفاَ.

لذا علينا جميعا مهما كانت عمق الجراح وآلامه ومهما كان حجم الاختلاف ونتائجه، أن لا تغيب عن أعيننا حقيقة الهدف وأن نبذل كل البذل للوصول إليه، كل أدرى بنفسه وما يصلحها ويوصلها بسلام للغاية والهدف، إن كان فى عمل جماعى بما له وما عليه فبها ونعمت، وإن كان غير ذلك عبر مشروع شخصى له دون أن يغلبه كسل أو ملل فعلى الله الاتكال، المهم أن يبقى الترس متمركزا فى ماكينة ضخمة تمكن لهذا الدين وتعلى من هذا الوطن حتى نصل فى النهاية لبر الأمان فى كنف رضا الله وجنته .


وفقنا الله شخوصا وجماعات لما فيه الخير

للتعليق اضغط هنا

3 التعليقات:

  1. د انور حامد يقول...

    د احمد بارك الله فيك
    اصبت كبد الحقيقة
    اتمنى لقاءك لأضع يدى فى يدك
    لنخطو خطوات تدعم ماذهبت اليه
    اخوك : د انور حامد
    ت /0119566269

  2. Unknown يقول...
    أزال المؤلف هذا التعليق.
  3. ومضات .. أحمد الجعلى يقول...

    الأخ الكريم د. انور حامد

    جزاكم الله خيرا لمروركم وتعليقكم وحسن ثنائكم على السطور المتواضعة المكتوبة

    وان شاء الله أشرف بتواصل معكم لما فيه الخير


Blogger Template by Blogcrowds


Copyright 2006| Blogger Templates by GeckoandFly modified and converted to Blogger Beta by Blogcrowds.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.