المساطر



كنت فى أحد المحاضرات وتطرق المحاضر إلى جزئية التواصل مع الآخرين، وكيف لنا أن نقيم الناس الذين نتعامل معهم، ممتعة ومشوقة مثل تلك المعارف التى تجعل من التعايش مع الناس والمجتمع والآخرين علما يمكن أن نتبع خطوات محددة فيه لنصل لنتائج مرسومة ومحسوبة.

تطرق المحاضر لوسيلة وفكرة أحسبها رائعة جد رائعة فى تقييم الآخرين والتعامل معهم، هذه الفكرة تعتمد على تحويل الشيئ المعنوى لشيئ مادى ملموس، وأعتقد أننا فى اوقات كثيرة نحتاج لمثل هذا الأمر ليزدادا ترسخ مثل تلك الأفكار المعنوية الجامحة مثل السحاب فلا تستطيع لها حصرا أو تحديدا.

فقد اقترح محاضرنا أن نتعامل مع الناس بالمساطر، نعم بمساطر مختلفة، كل مسطرة يقاس بها شيئ، وكل شخص يقاس بأكثر من مسطرة. وكل موقف يستخدم له المسطرة المناسبة لقياسه ومن ثم الخروج بالنتيجة.

وحتى نفسر الفكرة، ضرب المحاضر عدة أمثلة لأنواع مساطر مختلفة، فهناك مثلا المسطرة العقائدية، ومسطرة التعاملات، ومسطرة السياسة ومسطرة المستوى العلمى ومسطرة الأخلاقيات.... وغيرها. وتطرق لمثال ما، وهو غير المسلمين وكيف نقييمهم كأفراد ومن ثم كيف تكون آلية التعامل معهم.

فقال علينا أن نستخدم المسطرة المناسبة فى الوقت المناسب لنطلق الحكم المناسب

فمثلا إن كنا لنتكلم عن أمور العقيدة والدين، فعلينا أن نستخدم المسطرة المناسبة لذلك، وحينها علينا أن نقول بوضوح إن عقيدتهم بالنسبة لنا عقيدة خاطئة مخالفة، ومن هنا نجد قول الله عز وجل " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ ..".

وفى حال المعامالات فلا ينبغى أن نتعامل بمسطرة أخرى غير مسطرة المعاملات، لنجد قول الله عز وجل هو المقياس فى ذلك، فيقول الله عز وجل: و يقول الله عز وجل: " " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...." لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " وأيضا قوله عز وجل مثلا "... وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ.....".

وفى حالة الحوار بيننا وبينهم فينبغى أن نستخدم مسطرة أخرى هى مسطرة الحوار. كقول الله عز وحل: " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ". ومثل قوله تعالى : "ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...."

وهكذا ...

ففى مجال السياسة واستخدام المسطرة الخاصة بذلاك، لا نسوى بين الأقباط فى مصر مثلا وبين أقباط المهجر الذين يؤلبون العالم على مصر ويدعون للتدخل الخارجى فى شئون مصر.

مما سبق فإنه علينا أن نقيس الشخص الواحد بمساطر متعددة ومن بعدها نقدم قياس المسطرة المناسبة للحدث، مع الاحتفاظ بباقى القياسات فى فكرنا لتساعدنا فى اتخاذ القرار المناسب.

ويحضرنى هنا مثال آخر من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ربما تؤيد فكرة المساطر تلك. وهى أنه فى الوقت الذى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل فى مجال العقيدة كان قول الله عز وحل " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {1} لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ {2} وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ..."

ولكن فى مجال آخر وهو التعاملات السياسية بلغة عصرنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد دعيت لحلف لو دعيت له فى الإسلام لأجبت" يقصد حلف الفضول وكان يضم العرب فى الجزيرة العربية وكان هدفه نبيل من مساعدة الفقير وتأمين الطرق و.. و.. .

أعتقد أن نظرية المساطر تلك نابعة فعلا من ديننا الإسلامى الحنيف، وأن فيها الحل لكثير من المشاكل على مستوى المجتمعات كالفتنة الطائفية التى توقد شرارتها من وقت لآخر فى بلدنا الحبيب مصر، فالوظائف والتعيينات تكون بمسطرة المقياس العلمى والكفاءة مثلا. وفى مجال العقائد هناك مسطرة وفى مجال النهضة بالوطن والتعاون للرقى به مسطرة أخرى، وفى مجال الزمالة فى الدراسة والعمل والجيرة والتعاملات هناك مسطرة.

بل وفيها حل جذرى للصراعات على المستوى الشخصى والسؤال الذى يشغل بال الكثيرين عن كيفية التعامل مع من هم على غير دينه، وهل فى ذلك مساس وانتقاص من دينه وعلاقته بربه إذا أحسن للآخرين؟!

لم يبق لنا الآن سوى أن نمسك بالمساطر ونتعامل بها مع من حولنا، وأن لا نتعامل مع الناس كلهم بمسطرة واحدة و لا بنظرة ثابتة

ترى هل تتفق أنت مع نظرية المساطر أم أن لك رأيا آخر؟

3 التعليقات:

  1. غير معرف يقول...

    جعجوعي..ازيك يا دكتور..اخيرا بقى ليا شرف اول تعليق
    بالنسبة للموضوع ده ..انا عندي وجهة نظر.. انااتفق تماما معك في كثير من فلسفة المساطر لكن هناك خط رفيع بين ما تقول وبين مشكله خطيرة ممكن نقع فيها.. فساعات نعامل شخصية ما بمنطق المساطر أو بمنطلق ان انا الدكتور النفسي اللي لا راح ولا جيه زيه.. ونعد نحلل شخصية اللي نتحاور او نتعامل معاه ونضعة في شريحه معينه ونأخذ كل كلمه بان يكون لها معنى معين ونعد نتخيل أمور- قال ايه -هو يقصدها من هذا الكلام ونتصور مشاكل معينه عند هذه الشخصية ونتعامل معه على هذا الاساس وممكن نعد نفكر كمان ازاي نخرجه من هذه المشكله الرهيبه واي الوسائل نستخدم على الرغم ان المشاكل دي في خيالتنا وليست موجوده على ارض الواقع - وخد في بالك الآية الكريمة (ان بعض الظن اثم) ...الكلام اللي انا بقوله ده موجود كتير في مجتمعنا وبنشوف آثاره كل شويه.. دي كانت حاجة عايز اقولها ومعلش طولت عليكم
    بالتوفيق
    شاهين

  2. غير معرف يقول...

    الموضوع رائع كعاده مواضيع حضرتك......

    بس انا عايزه استفسر عن حاجه...انا اول ماقرأت كلمه مسطره حسيت بالجمود و الثبات.....

    يعنى المفروض ان التعاملات مع الناس تكون مرنه و انسيابيه...

    يعنى تتجه حسب اتجاه الافراد المتعاملين مع بعضهم....

    قل المفروض اننا نكون بنعامل الناس بمعايير و خطوات مدروسه زى ماحضرتك قلت و نكون عارفين ايه هى النتائج و نكون حاسبينها قبل كده؟؟؟؟

    ولا نسيبها لحالها و على حسب كل معامله و مانحطش معايير للتعامل مع الناس؟؟ديث ان البشر مختلف تماما عن بعضه البعض....


    فتاه ترغب فى المعرفه...

  3. ومضات .. أحمد الجعلى يقول...

    شاهنشى

    فعلا يا شاهنشى عندك حق، وانا لما طرحت موضوع المساطر كما فهمته من المحاضر الكريم، لم أكن أقصد أن نفعص فى شخصية من نحاور ونحلله نفسيا، بل فقط أن نقوم بعمل تقييم سريع له لمعرفة تصنيفه ومكانه ليسهل حوارنا معه وان نخاطبه على قدر عقله وبلغته وبما يفهمه وبما يقتنع به من ادلة ومرجعيات.

    فتاة باحثة عن الحقيقة
    مرحبا بكم أختنا الكريمة
    وفعلا قد توحى كلمة مسطرة بالجمود، ولكن هذا على العكس المراد تماما، فاستخدام كلمة المساطر الجمع كان المراد منه فعلا المرونة باستخدام مساطر متنوعة ومختلفة بما يسمح بمرونة أكبر.
    وليس المقصود أيضا بالتأكيد هو أن ندرس التعامل مع الآخر جيدا بما يعقد عملية التواصل مع الآخرين. بل كما قلت فى تعليقى السابق على اخى شاهنشى أن المقصود هو تقييم مبدأى سريع يسهل التواصل ويزيد من المرونة وليس العكس


Blogger Template by Blogcrowds


Copyright 2006| Blogger Templates by GeckoandFly modified and converted to Blogger Beta by Blogcrowds.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.