وبعد مرور كل تلك السنين أجد الآن فى نفسى رغبة ملحة لأن أحكى لكم قصة حقيقية عن "شاطر" حقيقى وليس خيالى إنه "الشاطر هنية" رئيس وزراء فلسطين.
رجل ... من زمن جميل
"ابنى ليس لديه الكفاءات العلمية لتولى ذلك المنصب، ولن يعين فيه ما دمت رئيسا للوزراء"
بمثل الجملة السابقة نبدأ حكاية ذلك البطل، فهذه الجملة كانت رده بعد رفضه لترقية نجله البكر عبد السلام الى درجة مدير مكتب وكيل وزارة الشباب والرياضة برتبة مدير رغم أن الجميع شهد بأن ابنه كفؤ لهذا المنصب وأهل له.
كلمات أعادت لنا ذكريات لزمان جميل وكلام جميل، كنا نقرأه فقط فى الكتب عن نزاهة الحكام وورعهم، كتب تتحدث عن نظافة اليد، وعن معان وأخلاق اسلامية تمشى على أرجل.
وها نحن الآن نشاهدها تتجسد فى شخص "الشاطر هنية"، نشاهد رجلا قد أعياه الصيام والحر والتعب وهو يلقى حديثا مطولا ينطق بآلام شعبه ووطنه، يترنح من الارهاق ويتهدج صوته قبل أن يسقطه الاعياء، فتخفق للمنظر قلوب الملايين ممن يشاهدوه عبر الأثير، ولكنه بعزم الأسود يعود من جديد واقفا مناضلا قائلا: " إن تعبت أجسادنا فأبدا لن تتعب أرواحنا ولن تكل."
" إن تعبت أجسادنا فأبدا لن تتعب أرواحنا ولن تكل." لم تكن هذه العبارة جملة قالها فقط بعد عودته لكمال خطابه أمام الجماهير، ولكنها على ما يبدو كانت شعارا لحياته، شأنه فى ذلك شان المجاهدين والأبطال والقادة الرجال، فهو لم يعرف أبدا طريق للتعب أو طلب الراحة بعد أن تعرض للسجن الصهيونى لمدة تزيد على الثلاث سنوات.
أبدا لم يعرف طريق التعب والراحة بعد أن أبعد عن أرضه وبلده إلى مرج الزهور.
لم يبحث عن الراحة والحياة الهنيئة بعد أن نجا لتوه من محاولة اغتيال وهو برفقة الشيخ يس.
لم يبحث عن راحة البال ودفء مقعد رئاسة الوزراء فيبيع قضية بلده وعهدة الشهداء كما يحب أن يسميها هو، مقابل أن يصفق له العالم ويحتويه.
لم يبحث عن الراحة بل على العكس كان يجد اللذة كل اللذة فى الصمود خلف ثوابت قضيته مرددا مرارا وتكرارا "لن تسقط القلاع ولن تخترق الحصون ولن تنتزع المواقف"
ولعل كونه رجلا من زمن جميل، جعل البعض لا يستوعب أنه لا زال بيننا مثل هؤلاء الشرفاء، متعجبين هل لازال هناك من يدافع عن عقيدته وقضيته بمثل هذه الروح والمثابرة. وهل لا زلا هناك أناس لا تغريهم شهوة الكراسى وبريق السلطة!!
فخرج رئيس وزراء مصر يكيل له التأنيب والتوبيخ، مطالبا هنية بأن يبحث لنفسه عن حل، وهو يظن أنه ليس هناك حلا إلا الانصياع للادارة الامريكية وشروط الرباعية والشرعية الدولية الظالمة.
لم يعى أبو الغيط أنه لا زال هناك رجال يستطيعون أن يقولوا لا بملئ أفواههم وهم يحملون أرواحهم على أكفهم من اجل مبدا اعتنقوه وقضية نذروا أرواحهم لها.
مزيج عجيب
نشاهد فى "الشاطر هنية" من جديد صورة كنا نقرا عنها فقط، صورة عن القائد الخطيب، ذات الشخص الذى يتحدث على الموائد السياسية ويدير الأمور والبلاد، هو ذاته من يرتقى سلم المنبر ليخطب الجمعة أو يأم الناس فى الصلاة. صورة ظننا أنها انتهت مع نهاية عصر الصحابة ولكنها تعود من جديد من أرض الرباط فلسطين.
نشاهد فيه صورة صاحب السلطة وهو يرتدى ملابسا رياضية وينزل ليشارك بنفسه فى حملة نظافة لأرضه، غير متكبر على تلك الصورة أو ذلك العمل.
نشاهده وهو يقبل رأس الأطفال ويلعب معهم الكرة، وفى ذات الوقت هو نفسه الرجل الذى لا تغيب ابتسامته عن وجهه وهو يلتقى بالوزراء والقادة.
نشاهده وهو يدفع بيديه عربة الرمال للبناء، وهو يضع يديه على الجريح ويدعو له، وهو يرفع سبابته صوب السماء مشهدا اياها على اخلاصه فى عقيدته، ورباطه على ثوابت قضيته.
أمور تشربها "ألشاطر هنية" من آيات قرآنه وذاكرة أمته وفهمه لإسلام بشموليته، أمور لطالما تعودنا من قاداتنا على أنها متناقضات. لا يمكن ان تجمع فى رجل واحد.
ولكن "الشاطر هنية" ليس ككل الرجال، بل هو رجل .. فى وقت عز فيه الرجال.
من هو اسماعيل هنية؟
من غزة الصمود والعزة والكبرياء، والتى رويت أرضها بدماء الشهداء، ولد اسماعيل هنية فى مخيم الشاطئ للاجئين عام 1963، حيث نشأ فى هذا المخيم وتربى على أفكار جماعة الإخوان المسلمين ومبادئها. وأنهى دراسته الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بينما حصل على الثانوية العامة من معهد الأزهر الديني بغزة
التحق بعد ذلك بكلية التربية قسم اللغة العربية بالجامعة الاسلامية، و بدأ هنية نشاطه داخل «الكتلة الإسلامية» الذراع الطلابية للإخوان المسلمين، التي انبثقت عنها لاحقاً حركة حماس، وأصبح عضواً في مجلس طلبة الجامعة الإسلامية في غزة بين عامي 1983 إلى عام 1984، وتولى منصب رئيس مجلس الطلبة في الفترة الواقعة بين 1985 و 1986
- اعتقلته إسرائيل أربع مرات، وكانت أطول فترة اعتقال في عام 1989، واستمرت ثلاث سنوات.
- تولى هنية مسؤولية إدارة مكتب الشيخ أحمد ياسين عندما أفرج عن الشيخ يس من السجون الإسرائيلية عام 1997. مما اتاح له القرب منه حتى استشهاده.
- وقد تعرض هنية لمحاولة اغتيال بينما كان برفقة الشيخ أحمد ياسين في السادس من أيلول 2003 عندما ألقت طائرة حربية إسرائيلية قذيفة على منزل في غزة، غير أن هنية والشيخ ياسين وسكان المنزل نجوا من عملية القصف.
هنية الأب ل 13 عشر ابنا وبرغم أنه أصبح رئيسا للوزراء فلا زال يسكن فى ذات المخيم والمعروف بانه أحد أكثر المخيمات الفلسطينية فقراً وبؤسا،
حديث الصور
كنا نسمع كثيرا عن نزاهة وشفافية رجال عظام فى تاريخنا الإسلامى ، كنا نسمع عن عمر بن الخطاب وعدله، وعن عمر بن عبد العزيز وورعه. وكانت دوما ترتسم فى ذاكرتنا مواضيع كثيرة عن عظماء من تاريخنا الحافل، ولكنها يوما لم تقترن بالصور، وأقصى ما نملكه كان أن ترسم ونتخيل المواقف ونجسدها، ونترك لأفكارنا الفرصة لتتخيل مشاعر الناس وأبعاد المواقف.
ولكننا مع بطلنا "الشاطر هنية" فى عصر مختلف، عصر اتاح لنا تصوير المواقف وتجسيدها لتبقى دليلا وشاهدا، أن عظماء من هنا قد مروا.
أترككم الآن مع بعضا من حديث الصور التى لا تخطؤه العين ويجد طريقه للقلب
صورة لهنية أثناء القائه لخطبة الجمعة
هنية بجوار الشيخ يس حينما كان مديرا لمكتبه
رئيس الوزراء اسماعيل هنية يقوم بتنظيف شوارع غزة
صورة لرئيس وزراء فلسطين وهو يدفع عربة رمل للمشاركة فى البناء
هنية يقبل رأس الطفلة هدى غالى بعد ان استشهد ابوها على شواظئ غزة بقصف صهيونى
هنية يلاعب أطفال فلسطين الكرة
يضع يده على جريح داعيا له بالشفاء
هذا الموضوع يندرج تحت فلسطين