لا أدرى ماذا دار بتفكيرك فور أن قرأت عنوان التدوينة واسم "راندا" ولكن ظنى أن كل ما ذهب إليه تفكيرك غير صحيح، وحتى لا تتعب نفسك كثيرا وتذهب أفكارك بعيدا ف "راندا" هى تلك المريضة التى كانت توجد فى الدور الثالث فى المستشفى التى أعمل بها..
كنت أسمع أحيانا مناقشات طبية عن حالتها بين بعض الاطباء لدينا فى القسم ولم أكن قد رأيتها بعض، إلى ان جاء اليوم الذى كان مطلوبا منى متابعة الحالات فى الدور الثالث، وبالفعل توجهت لغرفتها وسألت أين هى راندا؟
وجدت راندا فتاة لا يزيد عمرها فى ظنى حينها عن 12 عاما، مصابة هى بمرض فى المخ يسبب ضمورا فى خلاياه، لذا فهى فى حالة أقرب للغيبوبة منها للوعى، تفتح عينين هائمتين تنظران فى كل مكان ولكنهما لا تعبران عن وعى أو تأثر بما حولها، وهناك ذاك الأنبوب الذى يدخل من انفها إلى معدتها مباشرة عبر المرئ ليوضع لها فيه الأكل لأنها لا تستطيع البلع فهى غائبة العقل.
قمت بالكشف عليها والاطمئنان على أخبارها من والدتها، طالعت نتائج التحاليل الحديثة و نظرت فى الأشعة المختلفة التى أجريت لها والتقارير المرفقة بها. وقمت بتدوين ملاحظاتى الطبية وتجديد كتابة العلاج الخاص بها وانطلقت.
يبدو أن راندا واحدة من هؤلاء الاتى قدر الله لهن ان يصابوا بمرض من أمراض المخ والأعصاب والذى يسبب ضمورا فى خلايا المخ وخللا فى اداء وظيفتها.
ومرت الأيام وحان وقت خروج راندا من المستشفى فحالتها مستقرة على ما هى عليه ولا يبدو ان هناك تحسنا ملحوظا متوقع عن قريب.
طلبنا من أهلها إرسال بطاقتها الصخية لغرفة الأطباء لنكتب فيها تقريرا بحالتها وتفصيلا لعلاجها لتستمر عليه بعد خروجها، بعد أن انهيت مهامى وعدت لمكتب الأطباء وجدت بطاقة علاجية باسم راندا وعليها صورة لها ما إن رأيتها حتى أصابنى الذهول.. مسرعا قمت بفتح البطاقة لأطلع على التفاصيل..
الاسم : راندا ...
جهة التامين : مدرسة.....
السن: !!!!
إذا فالصورة الموجودة بالخارج هى فعلا صورة اندا..
راندا إذا ليست فى الثانية عشرة من عمرها كما خمنت لها حين رأيتها...
بل هى كما تقول الصورة وبيانات السن فتاة فى ال 26 من عمرها وفعلا جهة التأمين مدرسة، ولكنها ليست تلميذة بل مدرسة.
أصابتنى المفاجاة وعدت من جديد أطلع للصورة
هل من المعقول ان تكون صورة هذه الشابة اليانعة المتأنقة هى لذات المريضة "راندا" التى لن تعطيها فى أحسن التقديرات سنا أكبر من 12 عاما؟؟
ياترى بم كانت تحلم تلك الفتاة الشابة قبل أن يصيبها المرض الذى أصابها؟؟
هل كانت لها طموحاتها فى مجال عملها وتفكر فى كادر المعلمين وكيف ترقى بمهاراتها وامكاناتها فى مجال التدريس؟؟
ترى هل كانت تحلم بما تحلم به كل فتاة وشاب ببناء بيت سعيد تدب فيه الحياة مع صرخات الأطفال ولعبهم ومرحهم؟؟
هل كانت تحلم كأخواتها بمشاعر الأمومة والرضاعة والتربية وان يقال لها كلمة "ماما"؟
ترى هل خطر ببالها ولو لوهلة أن يصيبها مرض كالذى أصابها ليغير حياتها أو بمعنى أدق ينهى طموحاتها واحلامها فى الحياة، لتصبح جسدا به روح واعين تتحرك ولكنها لا تعى من امرها شيئا؟؟
ترى هل يخطر ببالى أو ببالك أنت ونحن الآن فى أتم الصحة والعافية والاتزان العقلى أن يصيبنا يوما مرض أو حادث يوقف مسيرة الحياة والانتاج والعطاء؟؟
وهل استعددنا لهذه اللحظة؟؟
وهل قدمنا حتى الآن شيئا يذكر نلقى به الله ونترك به بصمة فى هذه الحياة؟؟
أسئلة كثيرة ، وواقع مؤلم لا أجد له إجابة سوى تلك التنهيدة العميقة التى أطلقها من أعماق فؤادى حارة ...
هذا الموضوع يندرج تحت مشاهدات من حياة الطب, ومضات شخصية
11 التعليقات:
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ااقولك انا عن عبد الله الشاب الممتلئ حياة
الاب لثلاث اطفال منهم طفله بدر فى تمامه
كان يملئ الدنيا حياة اب حنون زوج رائع واخ شهم ولن تجد مثله
عبدالله
الآن يقبع فى احدى المصحات النفسيه لخطورته على اهل بيته وعلى المجتمع..عبدالله الذى كان وزنه يتعدى المائة كيلو
لايزيد عن 50 كيلو على احسن الاحوال
وهو يبلغ من الطول 185 سم
عبدالله الذى تحول بسبب عملية بزل ماء من المخ إلى معاق وخطر على الحياة
اكمل؟
اخواته تنكرو له..ولا يهتم به سوى زوجته..ويذهب إليه اطفاله فلا يعلم عن الصغيرة شئ لانها ولدت اثناء تدهور حالته
هل يعلم اصحاب الصحه والمال والعقل
ان هناك مئات من عبدالله وراندا
والله استغرب الناس الذين يعيشون دون قلوب تعى وتفهم
تدوينه رائعه
ما بين راندا وعبدالله وغيره الكثير من الامثلة
ندعو الله ان يتم علينا نعمة الصحة والعافية طوال العمر وان يجعلها الوارث منا
آمييييييييين
الله يسامحك يا احمد .. كنت تقولي ما تدخلش على المدونة اليوين دول
على العموم .. جزاكم الله خير على التذكرة
قصة مؤلمة جداً
وتعليقك عليها كان أكثر من مؤلم
ربنا يشفيها .. وعافى أبناء المسلمين
لفت نظرى فى البداية اسم المدونة على اسم مدونتى
لكن بعد الدخول وجدت أشياء أكثر أهمية تجذب الإنتباه
لا بجد انا زعلان
بجد انا زعلان في الوقت اللي انا فرحان انك رجعت فيه لعالم التدوين مرة اخري
كيف يا استاذ دكتور احمد
واحشني جدا من ايام البطاطس باللحمة
انت نستني خالص بجد
علي العموم شكرا
بالنسبة للتدوينة انت دائما متألق وقلمك رقيق ويعرف طريقه دائما
انت دائم التعلق بمرضاك من ساعه مريضتي ايفون
اللي اعرفه ان دي حاله تستمر مع الطبيب لفترة قصيرة ثم يعتاد الموت وكل هذه الامور
لكن يبدو انها استمرت معك
اني احبك في الله وياريت لا تتركني
ياه يا اخى
فى لحظات انقلبت الحياة رأسا على عقب
اكتب الان و انا عائدا من عملى ....كانت تلك الفتاة و غيرها مثلى تماما
هل اعددت فعلا لمثل هذا الابتلاء...هل افكر فيه اصلا؟؟
يارب عفوك و رحمتك
اخي احمد شفا الله هذه الاخت وعافاها
يقول المتنبي
والمستعز بما لديه الاحمق
وقد صدق فنحن لا نملك شيئا علي الاطلاق
لا صحة ولا منصب ولا جاه ولا مال ولا حتي اسماءنا لا نملكها فما ان نموت إلا ويطلق علينا (الجثة) وفيما بعد نكتسب لقب المرحوم
جزاك الله خيرا علي التذكره
اللهم اشفي مرضانا ومرضي المسلمين
موضوعك فكرني بايام عدت علي صعبه شويه
انت ما قلتش ايه المرض الي عند رندا بالتحديد لكن سردك للقصه فكرني بفتره كنامتشخص فيها ان عندي
D.S
الاسبوع الي عشت فيه وانا متخيله ان عندي disseminated sclerosis وانا لسه عمري 21 سنه كان اصعب اسبوع في حياتي
دلوقتي كل ما احس بظرف صعب وكل ماتمر علي لحظات صعبه افتكر اني معافاه في بدني وان الحمد لله تشخيص disseminated sclerosis كان غلط والحمد لله انها غلطه دكتور وماطلعش عندي اي حاجه والحمد لله
كل ما الدنيا تضيق افتكر ان كان ممكن اكون دلوقتي ........انت عارف بقي الي بيحصل
الحمد لله
الحمد لله
الحمد لله
الحمد لله علي نعمه الصحه
كفايه ان الواحد يتخيل انه لا سمح الله مش قادر يرفع جفنه او مش قادر يحرك ايده لا سمح الله كفايه ان الواحد يتخيل انه قاعد في العنايه في غيبوبه ومش داري بالي حوليه
الحمد لله علي نعمه الصحه
لو كل النعم اتحطت في كفه ونعمه الصحه في كفه تانيه اكيد هنختار الصحه ربنا يديمها علينا نعمه ويحفظها من الزوال
الي يحس في يوم بضيق او بزعل او بحزن يروح اي مستشفي ويدخل العنياه وياريت تكون عنايه الكبد مثلا ويشوف الناس الي عندها غيبوبه كبد بتكون عامله ازاي
بيقولوا ايه وهم مش حاسين
راجل ممكن كان رتبه او وزير او طبيب كبير ودلوقتي نايم وبيخرف بمعني الكلمه
الحمد لله الذي عفانا
اكيد اي حد هيدخل اي مستشفي هيطلع منها وهو في منتهي الحزن علي اخوانه المرضي المبتلين
وفي نفس الوقت في منتهي السعاده انه الحمد لله غير مبتلي في صحته
اللهم اشفي مرضانا ومرضي المسلمين
لا حول ولا قوة إلا بالله
والله لو لم يعطنا الله في الدنيا سوى الصحة لكفت
الحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين
بجد أنا حاسس إن التدوينة دي مكتوبة عشاني أنا !!!!!!!!!!!
جزاكم الله خيرا دكتور أحمد
اللهم لك الحمد علي كل نعمة أنعمت بها علينا
تنهيدة اخري وحارة ومؤلمة تخرج مني رغما عني ربما ما حدث لراندا او يحدث لغيرها رحمة من الله ومنحة ربما كانوا سيتجرعن الوان العذاب في حياتهم اذا بقوا اصحاء وربما وربما في الاخير نحمد الله علي نعمة الصحة والعافية