قبل أن نبدأ:
1- كالعادة نبدأ كل تدوينة باعتذار عن التأخير، لا جديد (:
2- الكل يتابع شاء أم أبى أخبار الأزمة المالية العالمية، وكيف يُطرح المشروع الإقتصادى الإسلامى كحل للمشكلة. لذا رأيت أنه من المناسب اعادة عرض هذا المقال عبر المدونة وكان قد نشر من قبل على موقع إخوان أون لاين
بدلتى وقميص صديقى
ياه كم هو جميل هذا القميص الذى اشتراه صديقى من الخارج، أخذت أحدث أمى عن روعة هذا القميص وجماله، فطلبت منى أن أوصفه لها، أخذت أعدد لها مميزاته ومحاسنه "لونه" الرائع الزاهى، "أساور" أكمامه العريضه "أزرته" اللامعة، أيضا "قماشته" الطرية اللينة، و"تقفيلته" المتقنة.
نظرت أمى لى بابتسامة الأم الحنون وأخبرتنى أن لدى فى "دولابى" قميصا مشابها لهذا الوصف، بل يزيد عليه بميزتين أن معه "بنطالا" و "شرابا" و"جاكتا" و متناسقين تماما مع القميص، والميزة الأخرى أن المحل الذى تم شراء القميص منه وضح لها إمكانية إضافة اى محسنات للقميص بحسب الاحتياج والرغبة.
سألتها عن "اللون" عن "الأسورة" عن "الأزرة" عن "قماشته" عن "تقفيلته"، أجابتنى : " نعم هى كلها ذات المواصفات التى ذكرتها فى قميص صاحبك واطلع عليه بنفسك لتتأكد"، فكرت قليلا ثم قلت لها : " هل هو من الخارج؟ " ، نظرت لى وقالت باندهاش "لا، ليس من الخارج، ولكن ما المشكلة فى ذلك ما دام بنفس الكفاءة وهو بالفعل ملكك وموجود لديك"، رددت : "عفوا أمى أريد قميصا من الخارج مثل قميص صاحبى".
القصة السابقة هى فى الحقيقة تمثل جزءا من الاشكالية بين المشروع الإسلامى وبين الأفكار والمشاريع والأفكار والأطروحات الأخرى.
فبالتأكيد لكل مشروع وفكرة جمالها ورونقها، فهناك مميزات للشيوعية ومن خلفها الاشتراكية، وهناك مميزات للرأسمالية، هناك مميزات لليبرالية والقومية والعلمانية والديمقراطية.
كل شيئ من هذه الأفكار له ما يميزه، ولكن ماذا إذا كانت مميزات كل فكرة على حدة من هذه الأفكار موجودة بالأساس فى مشروع واحد، مشروع نملكه ونابع من ثقافتنا وديننا وهو المشروع الإسلامى، الذى يحتوى على مميزات المشاريع الأخرى ويتجنب مثالبها ومساوئها.
لست أقول هذا من قبيل التعصب للفكرة والمشروع الإسلامى، ولكنه حقيقة يدركها من يحلل الأمور بإنصاف وموضوعية بحتة.
حصل المشروع الإسلامى على هذا التميز والقرب من المثالية الواقعية على الرغم من أنه اجتهاد بشرى فى فهم الإسلام كما يراه مقدموه وأصحابه، إلا أن تلك الأفضلية مرجعها أنه قائم على إرشادات ومبادئ وأسس وقيم ربانية، شرعها الخالق عز وجل لخلقه وهو أدرى بهم، وهى مرجعيته الإسلامية.
وحتى يكون الكلام موضوعيا فإن الامر يحتاج لدراسات دقيقة ودعونا نناقش فى هذا الموضوع مميزات كل مشروعه وهدفه وفكرته الأساسية وهل هى موجودة بين طيات سطور المشروع الإسلامى أم لا؟. وفيما يلى سنذكر سريعا أهم مبادئ تلك المشاريع المختلفة.
فإن كانت الشيوعية والاشتراكية تهدف بالأساس لإنقاذ الطبقات الكادحة وتوفير الحياة الكريمة وتحقيق العدالة الاجتماعية.فهل هناك مثل الإسلام من رعى حق الفقراء وآخى بين طبقات المجتمع وساوى بين الغنى والفقير، وشرع ضوابط تضمن للمجتمع التكافل والتعاون بين طوائفه وفئاته؟؟
وان كانت الرأسمالية تهدف بالأساس لتحفيز الاجتهاد والبذل والسعى الدءوب للانتاج والتطوير وتحسين المنتج كما وكيفا، فالإسلام شجع الكسب والتميز وجعل لكل مجتهد نصيب، وحث على إعمار الأرض واستخلافها، ولم يسوى بين العاملين والمتكاسلين.
إلا أنه قوم هذا الحافز بحيث لا تطغى المصلحة الفردية على الصالح العام، وبحيث يكون للمجتمع نصيب ولو قليل من مكاسب هذا المجتهد ليرعى طبقات الشعب المحتاجة والضعيفة، بل حث على استثمار الأموال وعدم حبسها فى البيوت حتى لا تأكلها الزكاة، وحذر من كنز الأموال والذهب والفضة وحرمان المجتمع من الفائدة منها بالانتاج وبتشغيل الأيدى العاملة.
وان كانت القومية تقوم على وحدة جماعة من البشر على اساس اللغة وتهدف لعز هذه الأمة العربية بتوحدها وتعاونها. فإن الإسلام دعى اول ما دعى لقومية أوسع واعم من ذلك هى قومية البشرية جميعا " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" ولم يرى الإسلام أبدا حرجا فى أن تتكاتف الأيادى وتتوحد فى أى مسعى للخير ومواجهة الظلم، كان هذا التوحد مبنيا على رابطة العقيدة والإسلام، أو كان قائما على وحدة اللغة أو تشابه الجغرافيا.
وإن كانت الليبرالية تهدف لحرية الفكر وحرية اتخاذ القرار وحرية التصرف، فالإسلام فى صلب عقيدته جاء ليحرر البشر من الاستعباد والامتهان، ليكونوا أحرارا لا تنحنى هاماتهم إلا لخالق واحد، وكفل لهم حرية الاعتقاد وهى رأس الشريعة الإسلام، وحرية الممارسات والتصرف، إلا أنه قوم هذه الحرية ووضع لها ضوابط ومحاذير حتى لا تضر بالآخرين ووضع للإنسان القيم والمبادئ حتى لا تضر حريته تلك به هو نفسه.
وإن كانت العلمانية تعنى أن لا يدير الحكم والسياسة رجال الدين، وأن يتساوى أبناء الوطن فى الحقوق والواجبات. فالإسلام ابتداء لم يعرف فى تاريخه مصطلح "رجال الدين" بمفهوم من يملك الدين والتحدث باسمه، بل عرفهم كعلماء للدين، ليس لهم كهنوت ولا عصمة، بل هم بشر يجتهدون يصيبون ويخطئون، وكما لهم مجالهم فى دراسة علوم الدين والاجتهاد فيها، فإنه أقر للسياسة برجالها وللاقتصاد برجاله من ذوى الخبرة والحكمة، وللعلوم الطبيعية بعلمائها، وللاجتماع بأهله "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
وضمن لأبناء الوطن الواحد الحقوق والواجبات فكفل للأقليات الدينية فى البلاد الإسلامية حقوقها وواجباتها " لهم ما لنا وعليهم ما علينا". وكان تولى المناصب والوظائف قائما على معيار القدرة والكفاءة، وليس قائما على معيار الدين والطائفية.
وإن كانت الديمقراطية تهدف لحكم الشعب بالشعب، وأن يشارك الجميع فى اختيار حكامه ويحاسبهم إذا اخطئوا، ويقيلهم إذا تنكروا لطموحات الشعب ورغباته، فهذا الأساس قام عليه الإسلام منذ أولى خطواته فى إدارة البلاد، وكان التوجيه للرسول الكريم قائد الدولة حينها " وشاورهم فى الأمر"وفى موضع آخر "وأمرهم شورى بينهم" وجاء الخليفة الثانى عمر ليقر أحقية الشعب فى تغييره فى حال تنكب الطريق وضل عن المسار فطلب منهم إذا راوا فيه اعوجا أن يقوموه، فقام إليه أحد أفراد الشعب قائلا" نقومك بالسيف والله" فقال عمر رضى الله عنه : "الحمد لله الذى جعل من رعية عمر من يقوم إعوجاج عمر إذا أخطأ".
ومع كل ما سبق تميز المشروع الإسلامى بميزتين كبيرتين، الأولى مرونته وقابليته للتعديل والتطوير والأخذ من تجارب الآخرين ومميزات مشاريعهم، دون حرج أو خجل وفى ذات الوقت دون أن ينتهك خصوصيته ويتعارض مع هويته. فأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام عن الفرس -عباد النار- "تكتيكا" عسكريا بحفر الخندق حول المدينة كما فعل فى غزوة الأحزاب، وأخذ الخليفة الثانى عمربن الخطاب فى مجال الإدارة من دولة الروم – المسيحية- أسلوب الإدارة بنظام الدواوين والتسجيل، وما فتئ الإسلام يوما عن أن يبحث عن الحكمة فى أى واد كانت، ليهضمها بهويته ومبادئه ويستفيد منها فى مشروعه الكبير، كانت تلك الحكمة فى مجال السياسة او الاقتصاد او الاجتماع أو التربية والتعليم أو .. أو ...
والميزة الأخرى هى أن المشروع ذاته متناسق مع باقى مكونات النفس البشرية، فهو لم يركز على الجانب المادى للإنسان فحسب، بل اهتم أيما اهتمام بتنمية أخلاقه واهتم بالسمو وتزكية روحه، فأصبح المشروع الإسلامى هو المشروع الوحيد الذى اهتم بالفرد على مستوى الروح والجسد، وهو المشروع الذى اهتم به على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والبشرية جمعاء، وهو المشروع الذى اهتم بكل مفردات الحياة العامة من سياسة واقتصاد وتربية وتعليم ومعاملات واجتماع بل وحروب.
ربما علينا جميعا أن نعيد البحث مرة أخرى فى "دولابنا" الخاص لنرى "بدلتنا" الرائعة الحسن والجمال، بكل ما فيها من مميزات ومحاسن، قبل أن نسرف النظر إلى "قمصان" الآخرين.
الأولى أن نعيد قراءة ما لدينا ونعيد فهمه واستيعابه كما يجب، وأن نسعى لنضيف إليه المميزات والمحاسن التى نتمنى إضافتها له، كانت هذه الإضافات من الشرق أو من المغرب، لا بأس مادمت تثرى وتفيد وتضيف دون أن تمس أساس وثوابت ما لدينا.
أما اذا كانت حجتنا فى الإعجاب ب" قمصان" الآخرين فقط أنها من الخارج، فعفوا .. هنا لا أعتقد أننا نملك سوى أن نضع بضع علامات تعجب واستفهام؟؟!!
هذا الموضوع يندرج تحت المشروع الإسلامي .. مشروع حياة, حالة حوار حول الإخوان المسلمين
6 التعليقات:
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
بسم الله ما شاء الله
قصة ذات مغزى ممتاز
بصراحة و أنا بقرأها مش عارف لازمتها ايه
لكن التحليل سليم تماما
ربنا يبارك فى عقلك يا أخى الدكتور أحمد
وحشتنى جدا
و لا زلنا نستفيد منك
متعنا الله و بك
د.حماس
بسم الله
بارك الله فيك يا استاذنا
قلت فصدقت ونفعت
جزاكم الله خيرا
شىء جميل أن نتابع الأحداث الجارية ونتفاعل معها
والأجمل تبسيط المعنى ليصل إلى كل الفئات مع اختلاف الثقافات
أما بخصوص المقارنة بين المشروع الإسلامى وغيره من المشاريع الأخرى فلا يوجد مقارنة إلا مع الشيوعية والرأسمالية كفكر اقتصادى أما لليبرالية والديمقراطية وغيرها فهى ليست مشاريع اقتصادية ولافكر اقتصادى .
والفكر الشيوعى الإقتصادى يتلخص فى عبارة واحدة "" العطاء للأفراد على قدر احتياجهم فقط وترك الملكية كلها للدولة ""
بينما القكر الرأسمالى يقوم على " العطاء على قدر العمل فقط دون مراعاة ظروف الناس وأحوالهم " يعنى قليل الحيلة يموت
بينما المشروع الإسلامى يراعى الحالتين معا حاجة الناس وأحوالهم من صحة ومرض وعمل وبطالة أسر وعائلات ام عزاب وكذلك عملهم وكدهم وسعيهم أى أن المشروع الإسلامى جمع بين الإثنين وهذا من عظمة الإسلام " يراجع الحل الإسلامى ضرورة وفريضة للدكتور القرضاوى "
خالص تحياتى
د/أنور حامد
د.حماس
-----
اخى الحبيب، سعدت بزيارتك وتعليقك، وانت كمان واحشنا كتير ونتمنى أن يكون لنا بك لقاء قريب.
دمت بخير ولا حرمنا الله منك
أحمدسعيد بسيونى
-------------
مرحبا بزيارتك أخى الكريم وشرفتنا بتعليقك.
وجزاكم الله كل خير
د.انور حامد
-----------
أستاذنا الفاضل د.انور، مرحبا بزيارتكم وكم سعدت لوجودكم فى مدونتى المتواضعة "ومضات" وتعليقكم على التدوينة.
وبالتأكيد باقى المشاريع التى ذكرنها بخلاف الاشتراكية والرأسمالية ليست نظريات اقتصادية ولكنها مشاريع فكرية وسياسية، ولم يكن المقصود من التدوينة المقارنة فى الجانب الاقتصادى فقط ولكنها كانت تطوافة سريعة بين أهم هدف لكل مشروع من هذه المشاريع واحتواء الإسلام بشموليته على هذه القيم النبيلة كلها مجتمعة ومتوافقة ومنضبطة بحيث لا يطغى جانب على جانب
أكرر شكرى لمروركم وتعليقكم وكما أشرتم علينا أن فى كتب الدكتور القرضاوى فى هذا المجال مزيد لمستزيد
تحليل رائع وبالمثال يتضح المقال
أخي العزيز د/ احمد
ولكن اسمح لي فـ"العلمانية" ليست مجرد منع "رجال الدين" -ان جاز هذا المصطلح عندنا- من الحكم وإنما العلمانية تعنى أساساً بتنحية الدين عن كل جوانب الحياة تقول دائرة المعارف البريطانية مادة : "وهي حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى، رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت العلمانية تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.
سررت أيما سرور بزيارتي الأولى لمدونتك كما سررت قبلها وتشرفت بلقائك والتعرف عليك
...
أعجبتني طريقة تفكيرك وتحليلك الرائع
جزاك الله خيراً وأتمنى أن يستمر الاهتمام بالمدونة وتحديثها سداً لثغرة قل من ينتبه إليها .
أخوك عمار البلتاجي،
شارك في الحملة الشعبية للقي بالجداول الانتخابية وادعو غيرك
ضع بنر الحملة علي مدونتك
البنر موجود علي مدونتي