بداية وقبل أن نسترسل فى الكلام والتحليل وفهم ما حدث أؤكد تماما أن كل سطر من السطور التالية هو فى سياق الفهم والتحليل وليس أبدا فى سياق الاعتذار التبرير. فالكل قد أجمع من اللحظة الأولى وفور مشاهدة تلك اللقطات على الاعتراض عليها واستنكارها، سواء كان الاعتراض من أفراد جماعة الإخوان ذاتها وطلابها وكوادرها فى كل مكان عبر اتصالاتهم ورسائلهم ومجموعاتهم البريدية ومدوناتهم الخاصة، مرورا بالشخصيات القيادية فى الجامعة وأعضاء مكتب الارشاد فى الجماعة، وانتهاء باعتذار الطلاب أنفسهم عن العرض

وربما من الضرورى أن أعود وأكرر وأضع عدة خطوط تحت عبارة أن التحليل التالى إنما هو فى سياق التحليل وليس التبرير. تحليل نحاول فيه معرفة الأجواء التى حدثت وتضخمت فيها هذه الأحداث إلى أن وصلت لما وصلت عليه الآن ويعلم الله وحده متى وكيف ستنتهى.

تحليل يمر عبر أطراف الأزمة كلها " الطلاب – جماعة الإخوان – إدارة جامعة الأزهر – الأمن – الإعلام "

طلاب الإخوان المسلمين .. والأزمة

(1) ينبغى ابتداء أن نفرق بين العمل المدان لذاته وبين أن تدان الرسالة التى يحملها العمل .

فمثلا أن يتلفظ الطالب بألفاظ نابية أو أن يتجول طالب فى جامعته بسلاح أبيض أو أن يقوم طالب بتكسير شيئ من مرافق جامعته أو أن يعتدى طالب على زميل له أو أستاذ له. كل هذه الأعمال وشبيهاتها بالتأكيد هى أفعال مدانة فى حد ذاتها مهما كانت النتائج المترتبة عليها أو الرسائل التى تحملها.
ولكن أن يقوم الطلاب بتنظيم أنفسهم فى مظهر رياضى ما ويقوموا باستعراض بعض المهارات الرياضية من "كونغ فو" و "كاراتيه"، فهو ليس بالأمر المدان فى حد ذاته وإنما ما يتوقف عنده هو الرسالة التى يحويها أو ملائمته أو توقيته ..
فلم نسمع يوما أن هناك قانونا أو حتى عرفا يمنع وينتقد أن يتعلم المرء مثل تلك الرياضات والتى تستخدم للدفاع عن النفس،إنما تفتح لها النوادى وتنظم لها المسابقات بل وشهدت الجامعات المصرية العديد من مثل هذه الاستعراضات فى فعاليات طلابية لدعم الانتفاضة الفلسطينية.
إذا فالطلاب وان أساءو التعبير وأساءوا استخدام الوسيلة إلا أنهم حتى فى خطئهم هذا لم يستخدموا شيئا مخالفا أو خارجا عن روح مجتمعهم وتعاليم دينهم.

(2) وحتى اذا تركنا الوسيلة أو العمل وتوقفنا عند الرسالة فبالتأكيد لم تكن هذه الرسالة تهدف إلى التهديد والوعيد بالعنف كما حاول البعض أن يفهمها، بل إن الرسالة كانت غير ذلك تماما لمن يتأنى وينصف فى قراءتها، وعبر عنها الكاتب والمفكر القبطى رفيق حبيب قائلا : "ولكن الرسالة كانت في تلك الكلمة البسيطة التي زينت ملابس الشباب، وهي صامدون. تلك هي الرسالة، فشباب الإخوان قالوا أنهم صامدون في مسيرتهم وعملهم ونشاطهم، وأنهم مستمرون في دورهم العام داخل الجامعة وخارجها....
لم تكن رسالة الطلاب إلا محاولة منهم للتأكيد على صمودهم، وقدرتهم على التحمل. لقد كان إعلانهم واضحا، ربما حمل معنى أنهم قادرون على المواجهة، أو أنهم لن يتراجعوا رغم الضربات الأمنية، وفي كل الأحوال فلقد كان المعنى الأهم أنهم صامدون"

(3) لجأ الطلاب إلى هذا الاستعراض بعد تهديدات الأمن لهم بضربهم "بالجزم" وأنه سيفعل بهم كما حدث فى جامعة عين شمس من ادخال "للبلطجية" داخل الحرم الجامعى واعتدائهم على زملائهم طلاب جامعة عين شمس فى مشاهد رآها الجميع على شاشات الفضائيات، مشاهد لا تخطئ فيها العين مناظر الدماء ولا الأسلحة البيضاء التى اصطحبها أمثال هؤلاء الخارجين على القانون على مرأى ومسمع حرس الجامعة. وكان الطلاب على ثقة أن تنفيذ هذا الوعيد ليس صعبا على إدارة الجامعة. فبالأمس لم يحرك أحد ساكنا ابان ما حدث فى جامعة عين شمس بل على العكس أخذت الجهات المسئولة فى الكذب والخداع وتضليل الرأى العام برغم بشاعة الحدث ورغم توثيقه عبر الصور والفيديو.

(4) بقيت نقطة أخيرة غاية فى الأهمية وهى أن اللجنة الإعلامية لطلاب الإخوان فى الأزهر هى من اتصل بالجهات الإعلامية لدعوتهم لحضور فعاليات هذا اليوم من اعتصامهم والتى كانت الفقرة الرياضية مجرد جزء منه، بما يقطع تماما الطريق على من يدعى أن هناك ترتيبات واجراءات سرية لاعداد مثل هكذا أعمال. بل أن الطلاب لم يهدفون إلا لمعنى نبيل وأرادوا أن يشهد الإعلام والعالم ما يكال لهم من بطش وقهر ومن ثم صمودهم أمام هذا البطش، ولكن من أسف شديد تم استخدام الآلية والوسيلة الخطأ.

جماعة الإخوان

كان لها النصيب الأكبر من النقد والاتهامات كون هؤلاء الطلاب ينتمون لها اسما وفكرا، وهنا كان لا بد من وقفات

(1) اتهام جماعة الإخوان بأنها من أعطى الأمر لطلابها بمثل هذا التحرك هو محض افتراء واضح وليس فى حاجة للتدليل على عكسه.فجماعة الإخوان تدرك جيدا أن شباب اليوم هم قادة الغد، ولذا بالتأكيد لن تحرك الطلاب المنتسبين لها "بالموبايل"- كما يدعى البعض- وهى تعلم أنه لصنع قادة حقيقيين فلا بد أن تصقلهم التجارب وميدان العمل. وأن يأخذوا قرارهم بأنفسهم وأن يخطئوا فيروا نتيجة خطئهم وأن يصيبوا فيروا ثمرة جهدهم.

وأن هذا الطريق هو الطريق الوحيد المضمون لإخراج جيل يُعتمد عليه، و يُبنى على أكتافه الوطن، وتجد مصر من بينه الرجال القادرين على حمل المسئولية وتولى التبعة الثقيلة لتصحيح واصلاح كل ما تم افساده فى مصر.

(2) منهاج جماعة الإخوان المسلمين يتعارض تماما مع العنف واستخدامه كوسيلة لتحقيق الأهداف مهما كان نبلها، فأبدا لم نتعلم من إسلامنا ولا فى أحضان جماعتنا أن الغاية تبرر الوسيلة، ولذا سارعت الجماعة باستنكار هذا التصرف من أبنائها ومطالبتهم بالاعتذار.
ويمكن الحكم على منهاج أى جماعة كجماعة الإخوان المسلمين أو أى جماعة فكرية من خلال التالى:
1- الأدبيات 2- الممارسات
وكل شخص بامكانه مراجعة أدبيات الجماعة من خلال رسائل مؤسسها الإمام البنا وتصريحات مرشديها وقادتها ليتأكد أن أدبيات جماعة الإخوان بعيدة تماما كل البعد عن استخدام العنف كوسيلة للتغير بل على العكس فأدبيات الجماعة تذهب لادانته واستنكاره.
ولكل محايد أن يدرك أن ممارسات الجماعة على مدار عمرها الطويل الذى قارب الثمانين عاما لم تكن ببعيدة عن أدبياتها، حتى وإن أخذنا فى الاعتبار الاتهامات الباطلة بعلاقة الإخوان ببعض حالات العنف فى الأربعينات. فلم يتهم بعدها أحد جماعة الإخوان بأى من أعمال العنف على مدار ال 60 عاما الأخيرة.
بل وحتى الاتهام لجماعة الإخوان بأن كل الجماعات التى تبنت العنف كمنهاج إنما هى خارجة من عباءة الإخوان المسلمين. فحقيقة الأمر أن هذا الاتهام إن صح فإنما هو تزكية لجماعة الإخوان التى تلفظ العنف وأصحابه وأن هؤلاء ممن أرادوا اتخاذ العنف وسيلة لم يجدوا فى جماعة الإخوان بيئة خصبة لفكرهم الخارج عن قناعة الجماعة وأدبياتها، فبحثوا عنه خارجها.

(3) ولم تضع الجماعة رأسها فى الرمال إزاء الحدث، بل طالبت بشجاعة وثقة على لسان نوابها فى مجلس الشعب بأن يشكل المجلس لجنة برلمانية لتقصى الحقائق حول ما حدث وأن يرفع تقريره لنواب الشعب ويحاسب المخطئ أيا كان. إلا أن مجلس الشعب رفض تشكيل تلك اللجنة، للتاح الفرصة للمتصيدين والقبضة الأمنية أن تمارس بطشها.

الإعلام صانع الأزمة

نأتى بعد ذلك للاعب الأكبر فى هذه الأزمة وهو الإعلام ونتوقف معه فى عدة نقاط

(1) الأزمة بأكملها أشعلها استخدام عبقرى لمحرر جريدة المصرى اليوم حين استخدم كلمة "ميليشيا الإخوان" كعنوان للخبر، وتناسى الكاتب وهو يستخدم هذه الكلمة اللفظة العبقرية لصناعة السبق الصحفى تناسى تماما ميثاق الشرف الصحفى والأمانة الصحفية فى نقل الحقيقة للقارئ والمشاهد. ليعقبه صحفى آخر باستخدام عبارة "الحرب الأهلية بين طلاب الجامعة" ليكمل بها رسم الصورة المزيفة، واستخدام كلمات ومفردات ترتبط فى ذهن العموم بأحداث لينان والعراق، لتضفى بذلك على المشهد ظلالا وخيالات سوداء من نسج خيالهم.

(2) المصور ذاته الذى التقط صور الأحداث لجريدة المصرى اليوم وهو ا.عمرو عبد الله، ابدى حزنه من الاستخدام السيئ لصوره وتقريره حول هذا اليوم وقال فى شهادته : " فمنذ يوم الاثنين عندما نشرت جريدة المصري اليوم خبر( ميلشيات الأزهر ) أحسست بضيق في صدري لما سوف يأتي بعد ذلك...... الله واحده يعلم أنني كنت أؤدي عملي فقط وان الآمر لا يستعدي كل هذه الضجة ولا ما ترتب عليها من أحداث واعتقالات فما حدث يوم الأحد كان مجرد فقرة رغم غرابته إلا أن حواراي مع الشباب تأكدت أنه لايحمل أى مضمون أو هدف، بالإضافة أن عدد الطلبة لم يكن يتجاوز 2% من قوات الأمن الموجودة على أبواب الجامعة فمن الذي يقوم بالاستعراض ؟ ."

(3) ولكن بالتأكيد كانت هذه فرصة مناسبة لكثير من المتشفيين وكثير من النفعيين، ليستخدموا الحدث للحصول على مكاسب شخصية أو فئوية، حتى إن برنامجا رياضيا للاعب كرة سابق، أبى إلا أن يستخدم لقطات من العرض فى صدر برنامجه. ولكن العجيب أنه لم يستخدمها لعرض اللقطات الرياضية والتعليق على براعة الأدء الرياضى. بل استخدمها للهجوم على جماعة الإخوان التى تنافسه على مقاعد مجلس الشعب فى دائرته، وحتى اللحظة أحاول أن أفهم تحت أى مسمى ومبرر إعلامى يمكن عرض مثل تلك اللقطات فى برنامج رياضى!!


إدارة الأزهر الطيبة ورئيسها الطيب

أما عن موقف إدارة جامعة الأزهر ولا سيمها رئيسها د.أحمد الطيب والذى وصف الطلاب بأنهم فئة مارقة وأنهم مجموعة من الخراف الضالة وأنه لن يتدخل للإفراج عن الطلاب ولا ينصح أحد بالتدخل ولا يريد أن يطلب منه أحد ذلك. وأن الطلاب يدارون ب"الموبايل" من الخارج. فلسيادة الدكتور رئيس الجامعة نقول أن هناك آخرون هم من يدارون بالموبايل من الخارج، وأنقل هنا كلام وكيل كلية طب القصر العينى السابق د. صلاح الغزالى حرب، والذى صرح به على صفحات جريدة المصرى اليوم وقال ما نصه ردا على وزير التعليم العالى:

"هآنذا يا سيادة الوزير أقولها وبأعلي صوت وعلي رؤوس الأشهاد: نعم أمن الدولة موجود في جميع الجامعات الحكومية وفي كلية طب القاهرة، وهي كبري الكليات المصرية علي الإطلاق يسيطر أمن الدولة علي كل شاردة وواردة بالكلية، ومقر جامعة القاهرة الرئيسي لا يخلو في أي وقت من ممثلي الجهات الأمنية في مكاتب جميع الإدارات والقيادات، وهذه حقائق بديهية يعلمها كل من يعمل في السلك الإداري، ولا أتصور أن الوزير لا يعلمها، ولكن سيادته يحاول تجميل وجه الدولة، في حين أن الحديث عن أي تطوير يفتقد القيمة والمصداقية في ظل هذا المناخ الأمني المستفز"

حصاد الأمن

أما البطشة الأمنية التى تحكم سيطرتها دوما على الأحداث وتضع هى دائما كلمة النهاية المأساوية للأحداث، فلنا أن نتوقف معها فى التالى

(1) غريب أن يظن البعض أن الاعتقالات كانت نتيجة لأحداث الأزهر فعلى مرمى حجر من جامعة الأزهر تم اعتقال قرابة الثلاثين طالبا منذ شهرين بسبب مسيرة سلمية نظمها الطلاب فى حرم جامعتهم حلوان اعتراضا على الانتهاكات فى العملية الانتخابية الطلابية. وحتى يومنا هذا لا يزال الطلاب رهن تجديدات النيابة لهم بالحبس.

(2) وكان متوقعا جدا أن تكون هناك بطشة أمنية تنال العمل الطلابى وكوادره، خاصة بعد أن فاق أداء الطلاب هذا العام كل التوقعات ، وصمدوا أمام كل المعوقات، وأجروا انتخاباتهم الحرة فى مختلف الجامعات المصرية، وانتهاء بتأسيس الاتحاد الحر لطلاب مصر بعد طول غياب لاتحاد طلاب مصر.

(3) بل إن جدران السجون والمعتقلات كانت لتوها منذ عدة أيام فحسب قد ودعت د. عصام العريان ود. محمد مرسى القياديين بجماعة الإخوان ومن قبلهم ببضعة شهور فقط ودعت ما سمى حينها ب"لجنة الطلبة" بجماعة الإخوان المسلمين، والذين تم اعتقالهم فى العام الدراسى الفائت على خلفية نشاط الحركة الطلابية الفاعل والمؤثر فى العام الدراسى الماضى. ولم يكن هناك حينها عرض رياضى أو غيره من مسوغات الأمن الواهية للقبض على الطلاب.

(4) وننتهى بالأحراز المضحكة والتى لفقتها النيابة للطلبة من أسلحة بيضاء وغيرها، فلم نعتد منها على غير ذلك، ولعل ذلك الجرح فى القلوب على فقدان د.حسن الحيوان القيادى فى جماعة الإخوان والذى توفى بعد أن أفرج عنه بثلاثة أيام على ذمة قضية وتهمة باطلة بامتلاكه لأسلحة واشاعته للعنف فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة وأيضا تم توريد أحراز وأسلحة بيضاء من سكاكين المنزل و عصى " المقشات" ولكن القضاء النزيه قام بتبرئته، ليتم اعتقاله مجددا ثم تمت تبرئته مرة أخرى، ليخرج من السجن على موعد للرحيل عن الحياة بعدها بأيام.
ولو صدقت تلك الأحراز المتعلقة بالطلبةوصدقت تلك القضية فى مبناها فليتم فورا عرض الطلاب على قاضيهم الطبيعى ليحكم القضاء المصرى النزيه بالحق وفق الأدلة والأحراز والمعطيات.

كانت هذه محاولة لاستكشاف وتحليل أبعاد الأزمة من واقع الفهم وليس التبرير كما أكدنا فى البداية، ويهمنا فى الختام أن نرسل ببرقية لطلاب الإخوان المسلمين بأن الوطن لا زال ينتظر جهودكم وجهود كل أبنائه من الشباب المخلص الناضج الواعى، فأنتم أمل مصر ومستقبلها. ولكل جواد كبوة ولكن الضربة التى لا تقصم ظهرك تقويه. فليكن ما حدث درسا لنا جميعا لتكون أعمالنا أكثر نضجا وأكثر حكمة. ولعل غد الوطن يستفيد من خطئ اليوم. ونذكر ختاما بقول الله عز وجل : " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون"


0 التعليقات:


Blogger Template by Blogcrowds


Copyright 2006| Blogger Templates by GeckoandFly modified and converted to Blogger Beta by Blogcrowds.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.