قبل أن نبدأ:
1- لم أكتب جديدا فى المدونة منذ قرابة العشرين يوما، وكان من المتوقع أن تطول هذه المدة فترة اكبر، ومن المفترض أن أعود للكتابة بموضوع اهنئ به اخى الحبيب محمد على خطوبته، والتى أتمنى على الله أن تكون هذه الخطوبة خطوة لنقلة جديدة فى حياته على كل المستويات، وأن يتمم الله له ولخطيبته على خير. ولكن أمام ما يحدث مؤخرا من اعتقال 16 من شرفاء مصر من بينهم الدكتور عصام العريان، ومن بعدها استمرار البلطجة الامنية باعتقال 16 من قيادى الإخوان فى الاسكندرية والشرقية، امام كل هذا كان يجب أن أعود لأكتب عن النظام المستبد حينما يحترم نفسه
كل إنسان يشعر بكيانه ووجوده من الطبيعى أن تكون له بعض القواعد والقيم التى يسير عليها فى حياته، ويتفاوت احترامه لنفسه مع مقدار حفاظه على تلك القيم وتناسق داخله مع ما يؤمن به ويعتنقه. وأى نظام أو حزب أو جماعة ليست بعيدة عن ذلك فهى فى الحقيقة ليست إلا مجموعة من البشر اتفقت رؤاهم وأفكارهم فكونوا جماعة بشرية.
حتى النظام المستبد لا يشذ عن هذه القاعدة، فهو قد يغفل أحيانا أو ينسى أو يتناسى قيَمه وضوابطه إلا أنه سرعان ما يستعيد من ذاكرته تلك القيم ليجدد مع عودة العمل بها ثقته فى نفسه واحترامه لذاته وشعوره بوجوده.
فأى نظام مستبد يحترم نفسه حق عليه أن يكسر الأقلام ويكمم الأفواه ويقمع الأصوات الحرة وأن يغلق الصحف ودور النشر ويصادر الفكر ويقتل الإبداع.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يطلق العنان للقبضة البوليسية لتكون هى الحل الوحيد والفاعل للقضاء على الصوت المعارض فتنتهك حرمات البيوت ومن قبلها حرمات الإنسان ذاته، ولتروع الآمنين فجرا فى بيوتهم، ولتزرع فى النفس الرهبة والقشعريرة بمجرد ذكرها أو مرور طيفها فى الأذهان، وأن تنشأ أجيال من الأطفال على الرعب من زوار الفجر، وأن تصبح "كليبات" التعذيب هى المرادف لكلمة الشرطة فى أذهان الشعب.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يعتقل الشرفاء ، وأن تمتلئ سجونه ومعتقلاته بالمخلصين من أبناء الوطن، وأن يكون السجن بيتا ثانيا لكل صاحب فكرة، والاعتقال مصير كل معارض لهذا النظام المستبد، وأن لا تخلو سجونه من بضعة آلاف سجين يتباهى وينتشى بها.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن لا يحترم القانون وأن يضرب بأحكامه عرض الحائط وأن لا يُعمل مبادئ الفصل بين السلطات، وأن تصبح السلطة التنفيذية فوق القانون وأن تصبح هى الآمرة الناهية المتحكمة التى لا يراجع لها أمر ولا يرد لها طلب، وأن تكون المحاكم العسكرية هى الملجأ لمعاقبة المعارضين حينما تصدح كلمة القضاء العادلة ببراءتهم.
وحق على أى نظام مستبد أن تكون غاية وهدف رجاله – كما يقول عبد الرحمن حسام- :" أن يموت الإنسان... أن تفقد كل الأزهار عبيرها، أن تفقد أقواس القزح ألوانها، أن تنسى يداك ملمس الرمال الناعمة التي كنت تخط عليها وجوه من تحب يوما من الأيام، أن تجف عينيك من دمعة رحمة أو حب أو وفاء، أن تيأس روحك من التطلع إلي آفاق أرحب تسع هذا العالم ومن فيه، أن يعجز قلبك عن الشعور بحب أي إنسان في هذا المكان، الغاية أن يضل الحلم طريقه إلي عالم الواقع في فيافي التيه المظلم التي صنعها أولئك الظلمة الظلاميون، فما الظلم إلا ظلمات بعضها فوق بعض.
مرادهم أن تتدنى همتك، فهمتك تهمتك، وحُبُّك دليل الاتهام المحبوك، فحرارة روحك الأبية تؤذي برد قلوبهم..." (1)
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يتلاعب باقتصاد ومقدرات البلاد باستهتار ولا مبالاة لخدمته فقط حتى لو كان ذلك على حساب رغيف الخبز فى يد المواطن الفقير والذى غاية أمله ان يؤمن لقمة عيشه وعيش أبنائه.
وحق عليه أن يطلق يد المنتفعين ورجال الأعمال المستهترين لإفساد اقتصاد البلاد ونهب أموال الشعب ومن ثم الهروب بها. وأن يتستر على المفسدين و المرتشين بل والملوثة أيديهم بدماء الشعب المصرى الكادح فى كوارث العبارات والقطارات والإهمال والتسيب.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن لا يسمح بأى انتخابات نزيهة، مهما بلغ صغرها أو كبرها. سواء كانت انتخابات طلابية أو نقابية أو برلمانية أو رئاسية.
وإن كان القضاة هم سيف العدالة وضمانة النزاهة، فمن واجب النظام المستبد أن يقصيهم عن الانتخابات حتى يصبح الملعب مفتوحا متسعا للتلاعب وتزوير إرادة الشعوب وتاريخ البلاد.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يهدر كرامة المواطن المصرى ويغتال احترامه لنفسه، حتى يصبح محنى الهامة مكسور الجناح ذليل النفس، يعيش فى دوامة غاية أمله فيها أن يعمل طوال الوقت ليشترى لأبنائه لقمة الخبز وزجاجة الدواء، يمشى لا جوار الحائط بل تحت التراب دون أن يَسمع عنه أو يراه أحد، بيته مغلق على أسرته كما قلبه مغلق على آلامه وعذاباته وقلقه من الغد المجهول.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يربى شبابا خانعا خاضعا لا مكانة فى نفسه للحرية ولا للعزة وأن يكبل كل نشاط الشباب وحماسته، فتعيش الأجيال المتلاحقة شباب جسم تصاحبه روح هامدة كلها كهولة وشيخوخة، لا مكان فيها لأمن أو أمل.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يعمل على طرد العلماء والمفكرين وأن لا يتيح لهم فرصة العطاء فى بلدهم، فتهاجر تلك العقول تزرع نماء وحضارة وتقدما فى بلاد أخرى فى وقت نحن فى أمس الحاجة فيه لتلك العقول لنحاول أن نلحق بآخر عربة فى قطار المدنية، بعد أن كنا فى عرباته الأولى.
وحق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن لا يبالى بسمعة بلده وتاريخه وهو يلطخها بأفعال عفى عليها الزمان واندثرت من الحياة بل وتساقطت الصفحات التى دونتها من مجلدات التاريخ.
وغيرها من الاستحقاقات التى يستمتع النظام المستبد من ممارستها ومن تطبيقها.
ولكن أيضا هناك استحقاق على أى نظام مستبد يحترم نفسه أن يتذكره لأنه كثيرا ما يتناساه، حق عليه أن يعرف أنه كلما ازداد احتراما لنفسه بتلك الأفعال البشعة وتلك التجاوزات المقززة فإنه أيضا يزداد معها قربا من نهايته واندثاره. ويزداد معها قربا من الوقوف أمام محاكمة فاصلة، محاكمة من شعب طالما طوى قلبه على الجراحات والآلام، محاكمة زمان كم حاكم من قبل أمثاله وألقى بهم فى مزبلة التاريخ، ثم محاكمة عادلة محاكمة قصاص بين يدى قيوم السماوات والأرض فى يوم لا تضيع فيه الحقوق.
"ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا"
هذا الموضوع يندرج تحت مصر التى نحب
ومن حقنا نحن كقوة عاملة على الساحة أن نعمل كل من شأنه أن يشعرنا بوجودنا والحفاظ على كياننا.
ولكن الفرق أننا لا نريد بكياننا مصلحة دنيوية - ونسأل الله الثبات على ذلك والإخلاص - وإنما نريد من كياننا أن يكون الأداة التي تصلح هذا الوطن المسلوب.
فكلٌ يستخدم حقه...
وكما قلت يا أخي إن غداً لناظره قريب.
أدعوك للمشاركة في هذه الحملة:
http://ellygowwaya.blogspot.com/2007/08/blog-post_19.html
وعلى فكرة، أنا وفّشيت بوعدي ودخلت على مدونتك وبأعلق زي ما أنت شايف، لكن أنت بخلت عليّ في هذا الأمر.
إلى لقاءٍ في القريب بإذن الله.
أخوك الذي يحبك/
المنشد العام للإخوان المسلمين