إنه يزورنا


قبل أن نبدأ:

اعذرونا لاستمرار هذا الجو وهذه المشاعر، وبالتأكيد هذه الروح والمشاعر الحزينة لن توقف حركة الحياة ولن توقف حتى حركتنا الشخصية فمازلنا نأكل ونشرب، ونروح ونجئ، ونمزح ونلعب، ونعمل ونتحرك. المهم المهم أن نكتشف أنفسنا قبل فوات الاوان

قلوب لم تخلق للحياة ووداعنا لأحمد الألفى لا زال يؤكد على ما كتبته منذ عامين.


فمنذ عامين بالضبط وفى مثل هذا اليوم 13-7 حدث ذلك الحدث الذى غير عندنا الكثير الكثير، وحينها تأكدت أنه...ل

أنه يزورنا


قرأت عنه كثيرا من قبل، كما يفعل العديدون وربما أنت أحدهم، كنت من خلال قراءاتى ومعرفتي به أعلم أنه يزور الجميع دون استثناء، ولكني بالرغم من ذلك كنت أستبعد- ولو حتى في عقلي اللاواعي- زياراته لنا. فبالتأكيد لديه العديد من المهام الأخرى وفي ذات الوقت هناك أمامنا نحن أيضا العديد من الأمور لننجزها وننهيها قبل أن يأتينا.

نعم بالتأكيد لازال هناك وقت ...

علمت أنه في العام قبل الماضى زار بيت عمى الريفي البسيط في قريتنا الصغيرة، وبالرغم من ذلك كنت متأكدا أنه أمامنا - ولا شك - بعض الوقت قبل أن يحسم أمره ويأتينا.
نعم بالتأكيد لازال هناك الوقت . ..

إنه فعلا يزورنا!!


استيقظت فى ذلك اليوم مبكرا لأنهى بعض الإجراءات المتعلقة بالسفر لألحق بوالدي المريض فى الخارج والذي يمنعه مرضه من العودة لمصر، و بعد رحلة طويلة من الروتين المصري المعتاد دام لمدة أسبوع تحصلت على تأشيرة السفر، كدت وأنا أمسكها بيدي أن أتقافز طربا وفرحا فما هي إلا بضع ساعات وأكون هناك بجوار والدي أطمئن عليه.

خرجت من المبنى بعد إنهاء الإجراءات حاملا جواز سفري المذيل بخاتم تأشيرة السفر، فوجدت أخي الأكبر أمام المبنى .. فوجئت وتعجبت من وجوده في هذا المكان.

ولكن لا بأس فوجوده الآن سيساعدني في إتمام إجراءات الحجز والسفر.

قلت له بابتسامة تملأ وجهي: أخي ... الحمد لله أخيرا حصلت على التأشيرة ويمكنني السفر اليوم..... ولكن ما الذى أتى بك إلى هنا ؟!!

أخى رادا عليّ: أخي ... ... لقد استرد الله وديعته

انتهى الحوار بهذه الكلمات، لم أعرف بعدها ماذا حدث ربما حالة من الجمود أو تبلد المشاعر، ثم تلاها تفكير عميق . . يااااااااااااااه ... إنه فعلا يزورنا .

الزائر الأخير


لم تكذب الكتب والأخبار عنه فهو بالفعل لا بد وأن يزور الجميع.

وكل أوهامي بأنه لازال هناك وقت طويل قبل زيارته، كل هذه الأوهام كنت أنسجها أنا من خيالي.

هو أبدا لم يعدني أنه سيحقق أوهامي وآمالي بتأخير زيارته لنا.

هو أبدا لم يخبر أنه ينتظر عمرا معينا.

هو أبدا لم يخبر أنه ينتظر حدثا معينا.

هو أبدا لم يعد أحدا أنه سيمهله حتى يحسن عمله، أو حتى يكبر أبناؤه، أو حتى ينجز طموحاته وأحلامه فى الحياة.

هو أبدا لم يحدد لا ميعادا ولا جنسا ولا مناسبة، كل ما أخبر عنه أنه يزور الجميع، الجميع بلا استثناء لا فرق بين طفل وشاب وشيخ، لا فرق بين غني و فقير، أو بين طائع و عاصي، أو بين شاب و فتاة. نعم إنه يزور الجميع!!

كلاكيت مرة واحدة!


ختم الموظف فى المطار جواز سفري مرحبا بي فى بلده متمنيا لي وقتا ممتعا، رسمت ابتسامة على وجهي هي أقصى ما أمكنني أن أقدمه له، وانطلقت إلى البيت الذى كان يسكنه والدي.
تأملت مكتبته الكبيرة وكتبه وأوراقه المؤشر عليها بقلمه، وهذه مجموعة أوراق أخرى مزيلة بملاحظاته وتعليقاته.

لقد كان إذن والدي منذ أيام قليلة ترسا يدور في مصنع الحياة الضخم، ينتج ويعمل يأكل ويشرب، يفكر ويشعر، يفرح ويحزن، ولكنه بعد انتهاء الزيارة، قد أصبح أثرا بعد عين، وطيفا بعد واقع، وذكرى من الخيال بعد أن كان واقعا ملموسا.
بعد الزيارة تحول هذا الخطيب المفوه صاحب البلاغة والبيان إلى جثمان صامت أصم . .

تحولت الحياة والحركة والنشاط إلى جسد مسجى هامد. . تحول الوجه الضاحك البسام إلى وجه جامد بارد. .والعين المتقدة التي تنبض بالحياة أصبحت مغلقة عميقة خاوية من أي لون من بريق الحياة.

وهذا الجسد الذى كان منذ أيام يروح ويجئ بملئ إرادة صاحبه، أصبح اليوم ملهاة لمن أراد أن يحركه يمنة ويسره ويقلبه كيف يشاء.

أتت الزيارة لتخط كلمة النهاية في فيلم جسّد حياة والدي، ولكن من أسف هذا الفيلم يذاع مرة واحدة هي عمر وحياة بطله، وليس لأحد أن يشاهد الفيلم مرة أخرى إلا أن يبقى على ذكراه.

أتت الزيارة لتعلن أن هذا الجسد أصبح مسكنه منذ الساعة هو تحت الأرض وفي ظلمة القبر، غير عابئ بحبات التراب التي أهيلت على هذا الوجه الذى كان فى شبابه متفائلا وسيما وفى كبره وقورا حكيما.

نعم إنه يزور الجميع، وكفى به واعظا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زالت زياراته تتعدد.

يزور فى كل يوم أقطارا وبلدانا وبيوتا، ليمر بها للحظات يؤدي واجبه الذى ألزمه الله به، ويترك بعدها البيوت لأيام وشهور وسنوات تتحدث عن ذكرى زيارته، وربما يتفكرونه مرة وينسونه أخرى، حتى يعود من جديد، ويكرر الزيارة في بعيد أو قريب، فنتأهب من جديد وتهمس الأنفس فى رهبة إنه يزورنا.

ثم سرعان ما تدور عجلة الزمن وتعود الدنيا لتنسى آثار هذه الزيارة. حتى يعود من جديد ويطرق نفس البيت ويأذن برحيل شخص جديد ولكن يا ترى في هذه المرة الجديدة من سيكون عليه الاختيار !!

ومن ياترى ينظر إليه ملك الموت الآن متفحصا وجهه، ومنتظرا لحظات سيحين بعدها أجله !!

تزوّد من التقوى فإنك لا تـدري إذا جنّ ليل ، هل تعيش إلى الفجر؟!
فكم من صحيح مات من غير علة وكم من عليل عاش حينا من الدهر؟!
وكم من صبي يرتجي طـول عمره وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري ؟!
وكم من عروس زينوها لزوجـها وقــد قُبضت روحاهما ليلة القدر؟!


9 التعليقات:

  1. بن توفيق يقول...

    تعرف يا دكتور .. انا لسة جاى من مدونة شهنشى .. وكان تعليقى على البوست الاخير بتاعه انى فعلا مش عارف اكتب ايه


    انت خليتنى عاجز اكتر .. قدر اللله لا احد يستطيع منعه
    وانت تريد وانا اريد والله يفعل ما يريد


    لكن اظن ان الموضوع استفادته كانت كبيرة جدا

    بارك الله فيك .. وفى اخوتك .. ورزقكم بر والدكم بعد مماته

  2. يلا مش مهم يقول...

    احمد انا قلقان عليك
    قلقي في محله ولا انا غلطان
    ارجوك اخرج من هذه الحالة بسرعة ولا تدع الم يجتر جميع الالام المشابهة
    ويللا الحمدالله علي قضائه

  3. الشهيده يقول...

    جميل قوي اخي ان نعرف انه فعلا يزورنا....بس الاجمل اننا نحضر حاجه نقدمها وقت لما يزورنا....اوقات كتير بيبقي الموت يقظه.....بس بتبقي صعبه اوي لحد قريب منك ..عشت معاه...كنت بتاكل وتشرب معاه..وفجاه اصبح ذكري...مريت بيها لمل توفت جدتي ظليت فتره كل اما اروح بيتها مش مصدقه انها خلاص مش موجوده..مش هلاقيها تنادي عليا..او اما ادخل اودتها مش هلاقيها فيها...احساس صعب بس كان بالنسبه ليا تجربه جديده..صحتني فعلا ..اوقات تانيه لما نتفكر فيه وهو بيزورنا نلاقي مفارقات فعلا تهز الواحد..يعني في مره كنت رايحه فرح واحده صحبتي والقي ابي بيقولي ان واحد صحبه اتوفي وهو رايح العزاء بتاعه..سبحان الله حياه تبتدي وحياه تانيه بتنتهي عشان تبتدي في عالم اخر
    بس الفكره اننا نفهم الرساله المقصوده ونحاول نسال نفسنا اكيد ربنا عايز يقولنا حاجه..بس يا تري هي ايه؟؟
    كنت في يوم رايحه الامتحان مع واحده صاحبيتي واحنا رايحيين بقي وامتحان فاينل واحنا علي الطريق لقيناه زحمه علي غير العاده..عرفنا بعد كده ان واحد صدمته عربيه واتوفي..جسده ممدد علي الارض دون حركه..ساعتها حسيت كان حد رش علليا مايه ساقعه...سبحان الله بقي انا خايفه من امتحان..طيب واللي هيقابل اول امتحان حقيقي...حسيت ان الامتحان ده حليت فيه مش زي اي امتحان

    جزاك الله خيرا اخي علي التذكره ديه

  4. غير معرف يقول...

    اظن انه لا ينبغي ان يسرقنا التفكير في الموت

    من حقيقة اننا مازلنا على قيد الحياة

    ببساطة

    اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا

    و لاخراك كانك تموت غدا

  5. عمر عاشق القرآن يقول...

    للبقاء لله وحده

    بجد أحزنتنى
    ولكن زى ما قلت يا دكتور .. تستمر الحياة ..

    وبعدين ده احنا اتعلمنا منك يا دوك الابتسامة دايما وان مفيش حاجة بتوقف الحياة

    الله يعينك ويقويك

  6. محمد محيي الدين يقول...

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كلامك اثر فيا جدا
    صحيح مش المفروض نشغل نفسنا دائما بهذا التفكير
    لكن احيانا الانسان بيبقي محتاج التفكير في الحجات دي عشان يفوق
    ومش عيب ان الانسان يفضل يفتكرها علي طول بس بشرط متاثرش علي مسيرة حياته

    طبعا انا عارف ان شاء الله انها مش هتأثر عليك
    لكن انا بس كنت عاوز اقول ان احان مش عيب نتذكر الموت دائما لان ده قد يكون اكبر حافز لينا للعمل والانطلاق

  7. فوضى منظمة يقول...

    اللهم ارحم والدك يا دكتور أحمد .. الشكلة أن الزيارة في مفهوم الدنيا بتبقى وقتها معروف لكن الموت ليس له موعد حتى يمكن أن تتوقعة ربما الان أو اللحظة القادمة ... اللهم احسن خواتيمنا

  8. Dr cool بادّن في مالطا يقول...

    أحمد الجعلي الذي لم أعرفه من قبل

    أعرف بعضه الآن عبر كلمات

    على صفحة ويب

    أحمد الجعلي الذي لا تفارق الابتسامة شفاهه

    أحس الآن دموع قلبه

    بلاش كده يا أحمد

    بلاش كده الله يكرمك

    بجد أنا ما أستحملش عليك كده

  9. Bent Elqran يقول...

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    عظم الله اجرك اخى الكريم

    والحياه مستمره ولا تتوقف

    اعمل لدنياك كانك تعيش ابدا

    و لاخراك كانك تموت غدا


Blogger Template by Blogcrowds


Copyright 2006| Blogger Templates by GeckoandFly modified and converted to Blogger Beta by Blogcrowds.
No part of the content or the blog may be reproduced without prior written permission.